28 أكتوبر, 2024 07:33:51 م
كتب/ مهيب نصر:
إن التديُّن الفارغ في ولاية ميشيغان يقود الجالية اليمنية إلى هدم الضروريات الخمس التي أتى الإسلام للحفاظ عليها، وفي مقدمتها الدين المناط بالتقوى في القول والعمل، وليست الشقشقة الخطابية، أو التفيصح الإنشائي الذي يُدلل على سَكرة العقل، وموت الضمير، ثم حفظ النفس، أي كل نفسٍ تحمل هذا الدين على سبيل التخصيص أولًا، وما عداها على سبيل التعميم ثانيًا، وقد تعلل دجاجلة ميشيغان في تأييد دونالد ترامب بالحفاظ على الأسرة، في منأىً عن الأمة، والأمة أهم من الأسر القليلة المنزورة في أميركا، على فرض أن ثمة مخاطر تتهددها، إذ العام يُقدِّم على الخاص فقهًا وعقلًا، مع العلم أن هذه المخاطر محض هراء، إذ لا فرق بين الحزبين في شأن الأسرة، باستثناء رفض حق الإجهاض، ولعل هذا مهمٌ لهؤلاء البؤساء إلى درجة التضحية بالضفة الغربية التي وعد ترامب الصهاينة بها، وذلك بضمها للكيان الإسرائيلي، وقد تقاضى من الإسرائيلية ميريام أديلسون مقابل ذلك مئة مليون دولار، كما تقاضى من زوجها الراحل شيلدون أديلسون في ولايته الأولى أربعين مليون دولار لأجل نقل سفارة إسرائيل إلى القدس. ومن ثم حفظ العقل، ولا شك أن القوم قد انتحروا عقلًا وذوقًا، فبايعوا من يَعبُد الصهاينة، ويتخشَّع في محرابهم، ومن حَجَّر على المسلمين دخول أميركا، وذل رقاب حكامها، وفي مقدمتهم ابن سلمان، بل وأمره بتغيير المناهج الدراسية، وسجن العلماء والفضلاء، وندَّت منه رياح العنصرية حيال الإسلام والمسلمين كما لم تندَّ من قبل قط.
ثم كان حفظ العرض، ذلك العرض الذي يُنتهك في فلسطين، وفي اليمن، وفي السودان، وفي كل بقعةٍ من بقاع الإسلام، فهل لمثل ترامب أن يحافظ على أعراض المسلمين وهو العنصري الأبيض المتسامي على من دونه من ذوي البشرة الملونة؟
وهل يمكن لمن أختط طريق الأيباك طريقًا خاصًا للوصول إلى البيت الأبيض، أن يتخذ من المسجد طريقًا له إلى نصرة المستضعفين من المسلمين؟
يقول دجاجلة ميشيغان بأن أميرهم ترامب وعدهم بإخماد الحرب في غزة، ولكن ترمب نفسه وعد الصهاينة باستمرارها!
يقولون أن ولي نعمتهم المفدَّى وعدهم أيضًا باستتباب الأمن في الشرق الأوسط، ولكنه وعد الصهاينة بأن إسرائيل دولة صغيرة، ومن المهم مد رواقها الجغرافي!
لقد انتهك هؤلاء أعراض هذه الأمة بغبائهم وتموّلهم من السعودية قبل أن ينتهكها ترامب وزبانية إدارته." الضمير المعتل، والفكر المختل، ليسا من الإسلام في شيء، إذ الغباء في ديننا معصية". محمد الغزالي.
ثم كان حفظ المال، ذلك المال الذي أتى ترامب ليسرقه عنوة من السعودية وجميع دول الخليج. هذا المال مال الأمة وليس مال الحكام، فقد دفعت السعودية 450 مليار دولار حين قَدِم إليها في ولايته الأولى، مشترطًا عليها دفع ذلك المبلغ كنوع تشريفٍ لتجشمه الحضور، كما أخذ من دول الخليج مثلها أو أقل منها أو أكثر، فهو رجلٌ يجيد التجارة، وليس رجلًا تليق به المبادئ أو الوعود التي يطلقها.
إن محمد بن سلمان الذي يتبعه هؤلاء المتمشيخون السذج يرغب في فوز ترامب، لأنه يرغب في الحفاظ على نظامه، وتثبيت أركانه، ولا تهمه الأمة وجراحها-غزة نموذجًا- ولا عذابات العلماء في سجونه، ولا ضياع الأجيال بين فخذ هذه الراقصة وذلك الشاذ، وأن قناة العربية الناطقة بإسم هذا النظام الخائن لتفرح وتطرب وهي تتناقل أخبار هؤلاء الدجاجلة، وهم يؤيدون ترامب، ويسعون في تنصيبه عليهم، ما يعني أن جميع القرائن تشهد في تضافرها على تموُّلهم المادي، وسعيهم الدنيوي، وبناء أمجادهم الشخصية من خلال الصورة، وكل ما عدا ذلك كلامٌ يُقال في الكلام، ومغالطاتٌ لا تنسلك في ذهن إنسان محترم.
ثم إن هؤلاء الباعة المتجولون على منبر رسول الله يسهمون في بيع مقدساتهم على الطريقة الترمبيَّة، فقد أقر الكونغرس الأمريكي نقل سفارة إسرائيل إلى القدس عام ١٩٩٥ ولم يجرؤ أي رئيسٍ أميركي على فعل ذلك، حتى أتى مرشحهم-ترامب- ونقلها، ثم كانت الديانة الإبراهيمية لتبييض صفحة الصهاينة، يرافقها قطار التطبيع في أمتنا، كجزءٍ لا يتجزأ من صفقة القرن التي تتغيا تصفية القضية الفلسطينية، لو لم يتداركها الله من خلال سواعد الأبطال في السابع من أكتوبر، فعرَّوا ما كان مستورًا، وأخرجوا مخططات الصهاينة من الغرف المغلقة إلى تحت الشمس.
فما دين هؤلاء الدجاجلة إن لم يكن عبادة الذات على حساب الحق والصواب، وحقوق العباد، وما قيم هؤلاء وهم الأطفال الفرحين بقدوم ترامب إليهم، ما أشعرهم بقيمتهم المهدورة في أعماقهم، فاستقالوا عن قيمهم وهويتهم، وسكروا بزبيبةِ وعُوده الخادعة، وما شرف مواقفهم وهم الذين يَجبُنون عن مناصرة غزة، ومعاداة الصهاينة علانية، ولكم أن تزوروا بعض صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، لترون تعاجزهم وخورهم.
السياسة ليست وعودًا من رئيسٍ سابق لنا معه تجربة وتجربة مريرة، ولا حتى من مرشحٍ ليست لدينا معه تجربة، بل هي عقليةٌ مبرمجة تهدف لتحقيق مرامي استراتيجية، تخص دولة المرشح، وتعبر عن سيرته ومسيرته، فضلًا عن خلفيته، وتجربته، وتجربتنا معه.
منذ متى كانت وعود السياسي صادقة، بل لماذا لا يطلق السياسي وعوده، حيث إنه لا يملك غير الوعود؟
لست أعيب على دجاجلة ميشيغان خيارهم، فقد عرفناهم في مواطنٍ أخرى تدلنا على وجهتهم، ولكننا نعيب عليهم تصدر المشهد، وقيادة الجالية، والضحك عليها بإسم الله تارة، وبإسم السياسة تارة أخرى.
اسألوا أهل غزة لتعرفوا مدى خيانة هؤلاء الدجاجلة، وخيروهم بين ترامب وأي مرشحٍ آخر، ماذا عساهم يختارون؟
لا شك أن ترامب خيارٌ مستبعدٌ مستقذر بالنسبة لهم، وما عداه يمكن القرار في انتخابه من عدمه.
إن اللوبي الصهيوني في أميركا لم يتبلور دفعة واحدة، وإنما عن طريق عملية تراكمية استمرت لعقودٍ من الزمن، لو صدق هؤلاء الدجاجلة لاختاروا حزب الخضر، ولحرضوا الناس على مساندته، وانتخاب مرشحته، ليس لأنه سيفوز على الحزبين الكبيرين بالضرورة- الجمهوري والديمقراطي- ولكنها خطوة تراكمية استراتيجية يضعون لبناتها الأولى لأجيالهم القادمة، ويتجنبون في الوقت ذاته المساهمة في الركون إلى الذين ظلموا، ولكنهم لا يتمتعون بالصدق، ولا يتمتعون بشرف الانتخاب، لأنهم متمعيشون نظير فقرهم النفسي، وخواءهم الروحي، وضحالتهم السياسية.
في حالة ترجحت مساعي الدجاجلة في ولاية ميشغان، فالجدير بالعقلاء من أبناء الجالية انتخاب هاريس وليس مرشحة حزب الخضر، وذلك لخطورة فوز الجمهوري-ترامب- وليس تكريمًا لهاريس على مساهمتها في إبادة قطاع غزة، بل لدراء المفسدة الكبرى عن طريق المفسدة الصغرى، ولترجُّح خسارة مرشحة الخضر سلفًا، خاصة أن ولاية ميشغان من الولايات المتأرجحة والمهمة في الآن ذاته لأي مرشحٍ من كلا الحزبين.
الخلاصة أن دجاجلة ميشغان يشاركون نتنياهو في توجهه، كما يشاركونه في مشاعره، فهو يدعم ترامب، وهم كذلك، وكفاهم بهذه وصمةٌ ومهانة، وقد وجدوا في غزة ما يدفعهم إلى الرجل، ليس لأنه المنقذ، ولكن لأنه الخيار الذي دُفعت لهم في سبيله الدولارات الأمريكية والريالات السعودية، وطالما كان الخياران سيئان، اختاروا الأسوأ مع التمويل الشخصي، والحضور العلني، بدل أن يختاروا السيء دونما تمويل، وما دون ذلك من تبريرات ليست سوى أباطيلٍ ومسخرة.