ملفـات وتقـاريـر

16 أبريل, 2025 05:46:02 م
كتب/ موسى المليكي:
اختلف العلماء في الحمد والشكر؛ هل تُعتبر ألفاظاً مُتباينةً أم مُترادفةً، أم بين اللفظين عموم وخصوص؛ فالذين قالوا بالتّباين نظروا إلى انفراد كل لفظٍ منها في المعنى، ومن قال بالترادف نظر إلى جهة اتّحادها وإمكانيّة استعمال كل واحد من اللفظين في مكان الآخر، وأما الذين قالوا باجتماعها وافتراقها بين الخصوص والعموم فقد نظروا إلى الأمرين السابقين معاً.
وهذا هو ما عليه الأكثر في الاستعمال.
والفرق بين الحمد والشكر يحتاج إلى بيانٍ وتفصيل، وخلاصة ما قيل فيه ما يأتي:

إنّ لفظ الحمد يُطلقُ للثناء على المحمود بجميل ما فيه من صفات وأفعال ونعم، أمّا الشكر فهو ثناء العبد على المحمود بنعمه فقط. وعلى هذا القول فالحمد أعمّ من الشكر؛ فكلّ شكر هو حمد، وليس كلّ حمد يُعتَبر شكراً، ولذلك ورد حمد الله سبحانه نفسه ولم يرد شكره.

وهو كما الحال في حالة التفرقة بين الحمد والمدح؛ فالمدحُ أعم من الحمد ذلك أنّ المدح يكون للعاقل ولغير العاقل، ولا يلزم في المدح كون الممدوح مُختاراً، ومن هنا كان وصف اللؤلؤة بصفائها ونقائها مدحاً لا حمداً، أما الحمد فإنّه لا يُطلَق إلا للفاعل المُختار على اعتبار كون الصفات المُتّصف فيها والمحمودة له صفات كمال، ويكون الحمد صادراً عن عِلم وليس عن ظنّ، وبهذا القول يكون الفرقُ بين هذه الثلاثة كالآتي: المدح يكون أعمّ من الحمد، والحمد يكون أعمّ من الشكر.

الفرق الثاني بين الحمد والشكر يكون من حيث العموم والخصوص؛ فالحمد يكون أعمّ فيما يقع عليه،؛ فالحمد يقع على الصّفات اللازمة والصّفات المُتعدّية، فيُقال: حمد فلانٌ فلاناً لفروسيته وشجاعته ولكرمه.

فالحمد وصف المحمود بصفات الكمال اللازمة والمُتعدّية مع المحبة وتعظيم المحمود في القلب، ولا يخفى أنّ مدار الأعمال صلاحاً أو فساداً ينبني على القلب.

قال رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-: (إنّما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيُبها، أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه).

قال -عليه الصّلاة والسّلام-: (إنَّ الحَلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحَرامَ بيِّنٌ وبينَهمَا مشْتَبَهَاتٌ لا يعْلَمُهُنَّ كثيرٌ من الناسِ؛ فمنْ اتَّقَى الشبهَاتِ استَبرَأَ لدينِهِ وعِرضِهِ، ومن وقعَ في الشبهَاتِ وقعَ في الحرامِ، كالراعِي يرعَى حولَ الحِمَى يوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فيهِ، ألا وإنَّ لكلِ ملِكٍ حِمً، ألا وإنَّ حِمَى اللهِ محَارِمُهُ، ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَتْ، فسدَ الجَسدُ كُلُّهُ، ألا وهِيَ القَلبُ).

والحمد يكون بالقلب واللسان، وأما الشكر فهو أخص من حيث الوقوع؛ فالشكر لا يكون إلا مع الصفات المُتعدّية.

يُقال: شكر فلاناً لكرمه، ولا يُقال: شكره لفروسيته وشجاعته،. فالشّكر يكون جزاءً على نعمة انتفع بها، بينما يأتي الحمد جزاءً كالشكر، ويأتي ابتداءً).

والحمد ثناء العبد على الممدوح بصفاته من أن يسبق إحسان الممدوح، وأمّا الشكر فهو ثناء على المشكور بما قدّم وأجزل من الإحسان، وعلى هذا القول قال علماء الإسلام: الحمد أعم من الشكر. وهناك قول أنّ الحمد والشكر مُتَقاربان، والحمد أعَمُّ لأنَّ العبد حمَد الممدوح على صِفاته الذاتيَّة وعلى كثرة عطائه، ولا تَشْكُره بالتالي على صِفاته.




رأيكم يهــمنا

تهمّنا آراؤكم لذا نتمنى على القرّاء التقيّد بقواعد التعليقات التالية :
أن يكون للتعليق صلة مباشرة بمضمون المقال.
أن يقدّم فكرة جديدة أو رأياً جدّياً ويفتح باباً للنقاش البنّاء.
أن لا يتضمن قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم.
أن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.
لا يسمح بتضمين التعليق أية دعاية تجارية.