ملفـات وتقـاريـر

28 أبريل, 2025 01:55:29 ص

عدن(صوت الشعب)خاص:

عُرفت الممارسة السياسية بأنها تحتمل العمل بين أسلوبين (ظاهر وباطن). لذلك، فإن كل ما يُعلن قد لا يُمارس في الواقع، وما تخفيه السياسة في العلن يُعد له في السر، والعكس صحيح.

فالقارئ الجيد هو من يحاول الإلمام بالظاهرة من خلال رصد المُعلن، والتفتيش عمّا خفي، باستخدام مناهج البحث وتحليل عدد من المؤشرات وربطها بما جرى ويجري، علنًا وسرًا.

الأزمة اليمنية، المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات حربًا، لم تلوح في الأفق نهايتها؛ إذ لم تُحسم لصالح أي طرف، ناهيك عن تعدد أطرافها، وتوجهاتهم ومشاريعهم المختلفة، المتناقضة تارة، والمتقاطعة تارة أخرى.

وعليه، يظهر أن هناك إدارة خفية تسيّر الأمور نحو التهيئة للحلول القادمة من الخارج.

وقد لاحظنا كيف يتم إضعاف جميع الأطراف في الداخل. ونعرف جيدًا أن التحالف يحارب الحوثي وضد مشروعه، لكنه لا يريد إنهاء الحوثي كليًا لأسباب قد يدركها البعض. وهو في الوقت نفسه غير مقتنع بمشروع الانتقالي.

لهذا عمل مبكرًا على الاحتفاظ بالشرعية رغم ضعفها ولا وجود فعلي لها على الأرض.

وخلال الحرب التي تقاطعت فيها مصالح عدة أطراف، حيث شكّلوا معسكرًا مناوئًا للحوثي، جرت صراعات ومواجهات مسلحة بينهم (ما يسمى بالشرعية المدعومة من الخارج والمجلس الانتقالي الجنوبي). وبناءً على ذلك تم استدعاؤهم إلى الرياض والتوقيع على وثيقة الشراكة، أي ما سميت بـ"حكومة المناصفة"، عام 2019م.

ثم جاءت الخطوة الثانية، وهي مشاورات الرياض التي حضرتها كل القوى الجنوبية باستثناء الحوثي. وخلافًا لما دار لمدة خمسة أيام تقريبًا في قاعات المشاورات، فوجئ المشاركون، قبيل انتهاء موعدها بيوم، بخبر بثّه التلفاز السعودي مساء اليوم قبل الأخير من انتهاء المشاورات، بإعلان انتهائها وتشكيل قيادة جديدة موسومة بـ"مجلس القيادة الرئاسي"، الذي ضم رئيسًا وسبعة أعضاء آخرين من القوى العسكرية الفعلية على الأرض. وتمت عودة الحكومة والرئاسة إلى عدن لممارسة مهامها، التي حددها مرسوم نقل السلطة، والمتمثلة في إدارة الحرب مع الحوثي سِلمًا أو حربًا، ومعالجة قضايا الخدمات والعملة والرواتب في المحافظات المحررة.

ومرت الأيام ولم تفلح القيادة الرئاسية والحكومة في تحقيق ذلك.

إذ يبدو أن الهدف الرئيس هو إيجاد مكان للشرعية والقوى السياسية الشمالية على أرض الجنوب، ليصبح الانتقالي جزءًا بسيطًا من هذا التكوين كشريك، ناهيك عن منح الطرف الشمالي في هذا التشكيل أهم المراكز في الدولة: منصب رئاسة مجلس القيادة الرئاسي، ورئاسة الحكومة، ورئاسة مجلس النواب.

وبعد ثلاث سنوات من التشكيل، تبيّن صحة الفرضية التي تقول بأن الشرعية لا تريد محاربة صنعاء نهائيًا، بل اتضح أن هدفها محاربة عدن، ولكن هذه المرة عبر حرب الخدمات والرواتب، ظنًا منها بتثوير الشارع الجنوبي ضد المجلس الانتقالي بهدف ضرب المشروع الجنوبي، بحيث يصبح هم الناس الأول هو الحصول على القوت والكهرباء قبل مشروعهم التحرري. وهذا هدف مشترك لكل القوى الشمالية ومن يقف خلفهم.

بينما كان الحوثي في الطرف الآخر قد عزز من وجوده في مناطق سيطرته، وقد ساعده في ذلك ضعف الشرعية.

وعليه، فقد برزت مؤخرًا مؤشرات لاختراقات عدة من قبل أطراف في الشرعية تقدم نفسها بديلاً قادمًا للمقاربة السياسية في اليمن.

ربما تأتي فكرة الاحتواءات السياسية بهدف خلخلة الأوضاع وخلق الأزمات المتكررة، وتخفيف التمترس وراء مشروعي الحوثي والانتقالي، بوصفهما يشكلان تحديًا أمام الخروج من الأزمة اليمنية، من وجهة نظر القوى التي تسعى لتقديم نفسها كبديل في اليمن، رغم أن تلك الاختراقات المزدوجة طالت صفوف الطرفين.

وهذا ما أكدته تلك الاختراقات الحوثية التي وصلت إلى قمة هرم سلطة الحكومة الشرعية، وربما جرى ذلك بتسهيل واضح من قبل عناصر في الشرعية اليمنية الذين قدموا للعمل في عدن في السنوات الأخيرة.

إن مثل هذه الأعمال لا يمكن أن تكون بعيدة عن فكرة الإدارة السياسية الخفية التي تتعامل مع الأزمة اليمنية، والتي تجري بهدف خلخلة الوضع القائم والذهاب نحو أعمال أخرى في الأيام القادمة.

فإذا ما نظرنا إلى بعض الأحداث التي جرت خلال الفترة الماضية، والمتمثلة في عدد من المؤشرات مثل تصريحات الرئيس العليمي مطلع هذا العام، الذي أشار فيها إلى "استخلاص الدروس من التجارب السابقة في التعامل مع جماعة الحوثيين، مشددًا على ضرورة التحقق من نوايا الجماعة وعدم الركون إلى وعود قد تكون مضللة...".

جاء ذلك خلال لقائه يوم 28 يناير الماضي برئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، غابرييل مونيرا فيناليس، وسفراء كل من ألمانيا وفرنسا، بالإضافة إلى القائمة بأعمال السفارة الهولندية، حيث ناقش معهم قرار الإدارة الأميركية إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية.

بهذا الخطاب نلاحظ تحولًا كبيرًا في الموقف من الجماعة الحوثية. فهل هو تمهيد نحو تقبلهم في أي تغييرات قادمة؟!

وفي نفس الأسبوع، أعلن قائد الحزام الأمني بعدن عن القبض على خلية تعمل لصالح الحوثي في رئاسة وزراء حكومة الشرعية، يقودها مساعد مدير مكتب رئيس الوزراء. وقد تم تسليمه للقيادة العليا الذين وعدوا بإكمال التحقيق معه وإحالته للنيابة الجزائية، لكن كانت المفاجأة أنه سُمح له بالسفر إلى الخارج. وهذا ما دفع بقيادة الحزام الأمني إلى الإعلان عن ذلك بمناسبة الحفل السنوي الذي تم فيه استعراض منجزات الحزام الأمني خلال العام 2024م.

وقد تزامن ذلك مع صدور حكم المحكمة الجزئية ببراءة متهمين قدمتهم النيابة الجزائية رغم اعترافاتهم بأنهم يعملون لصالح الحوثي. وهنا نتساءل: هل ذلك يندرج ضمن التقارب مع الحوثي؟

وخلال هذا الشهر أيضًا، تابعنا ما جرى في حضرموت بعد كلمة نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي في الأمسية الرمضانية في شهر مارس الماضي، والتي أشار فيها إلى تلك الاختراقات، ثم تابعنا تصعيد الوضع هناك بعد هذا التاريخ.

وعليه، فإننا نستنتج من كل ما ذكر أعلاه السيناريوهات القادمة، وهي كالآتي:

أولاً: ربما هناك عمل قادم يُدار من بعيد عبر توسيع دائرة الاختراقات المباشرة وغير المباشرة، بهدف خلق طرف يقترب من توجهات التحالف الذي يبحث عن خروجه من الأزمة اليمنية وتسليمها لطرف بعيد عن القوى المتشبثة بمواقفها المعلنة، مثل مشروع الانتقالي الذي ينادي باستقلال الجنوب.

ثانيًا: الذهاب نحو إعادة إنتاج شكل جديد لنقل السلطة من خلال إعادة هندسة القيادة الرئاسية، وإعطاء دور لتكتل أحزاب بن دغر.

ثالثًا: تقسيم اليمن إلى مناطق حكم ذاتي تحت إطار الحكومتين الحاليتين في عدن وصنعاء، كما جرى في بعض البلدان التي تعيش صراعات مستمرة مثل ليبيا.

رابعًا: منح كل من الجنوب والشمال سلطات ذات طابع إدارة إقليمية، بحكومات مصغرة، مع بقاء حكومة مركزية عليا مؤقتة تهيئ للتسويات النهائية.


تقرير صادر عن مركز مدار للدراسات والبحوث
عدن – 22 أبريل 2025م




رأيكم يهــمنا

تهمّنا آراؤكم لذا نتمنى على القرّاء التقيّد بقواعد التعليقات التالية :
أن يكون للتعليق صلة مباشرة بمضمون المقال.
أن يقدّم فكرة جديدة أو رأياً جدّياً ويفتح باباً للنقاش البنّاء.
أن لا يتضمن قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم.
أن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.
لا يسمح بتضمين التعليق أية دعاية تجارية.