ملفـات وتقـاريـر

20 يناير, 2025 10:14:16 ص

(صوت الشعب) الجريدة الكويتية - محمد علي ثامر:

في خمسينيات القرن الماضي بدأ التفكير بنقل العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية من طور التعاون البيني إلى الطور التوحيدي، وذلك أملاً في تحقيق المزايا المرتقبة من التوحيد الاقتصادي من جهة، ودرءاً لسلبيات التجزئة العربية إزاء التكتلات الخارجية التي كان التحضير لها جارياً آنذاك من جهةٍ أخرى، لتأتي السبعينيات وكل الدول العربية قد نالت حريتها واستقلالها، الأمر الذي جعلها في فسحة أملٍ نحو التكتل والتوحد، إيـماناً بالمصير العربي الواحد، وانطلاقاً من الأهداف القومية المشتركة، وإدراكاً لأهمية الروابط الاقتصادية بينها من أجل القضاء على التخلف الجاثم عليها، والعمل من أجل بناء غدٍ أفضل للإنسان العربي، وللتغلب على تلك المعوقات التي تقف حجر عثرة أمام تطور الوطن العربي، كانت دولة الكويت الشقيقة هي المبادرة كعادتها واليد البيضاء في دعم أشقائها من الدول العربية، والمساهمة في تحقيق الرخاء الاقتصادي للعرب جميعاً.

وكانت بلادنا (اليمن) إحدى هذه الدول التي نالها من خير الكويت جانب، سواءً كمشاريع تنموية مقدَّمة من الحكومة الكويتية أو من قبل الهيئة العامة للجنوب والخليج العربي، أو كمشاريع استثماريةٍ تشاركية تقوم على أساس دخول رجال أعمالٍ من الدولتين الشقيقتين فيها، ولعل أبرز تلك المشاريع الاستثمارية يتمثل بإنشاء وتأسيس �بنك اليمن والكويت للتجارة والاستثمار� (YKB)، والذي سبقه أو لحقه أو واكبه إنشاء العديد من البنوك في بعض الدول العربية، منها: �بنك البحرين والكويت� (BBK) عام 1971م، و�بنك عُمان والبحرين والكويت� عام 1973م، و�البنك الأردني الكويتي� (JKB) عام 1976م، ليتجلَّى بذلك الدور القومي لدولة الكويت التي كانت ترى أن استثمار أموالها ومُدخراتها في دول الوطن العربي أفضل مليون مرةً من الاستثمار في الدول الغربية (أوروبا وأميركا).

ومن هذا المنطلق كان تأسيس �بنك اليمن والكويت للتجارة والاستثمار� تأكيدا وتجسيدا للتعاون الاقتصادي العربي المبني على المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، والمتخذ من عناصـر الوحدة العربية في اللغة والدين والتاريخ والجغرافيا سنداً وعوناً، كما كان هذا البنك الذي تأسس برأسمالٍ يـمنيٍّ وكويتيٍّ مشترك لخير مثالٍ لهذا التعاون المثمر بين الرأسمال اليمني والكويتي، والذي أسس إلى جانبه العديد من الشـركات المشتركة ومنها: (الشـركة اليمنية الكويتية للتنمية العقارية– الشـركة العربية للفنادق– الشـركة اليمنية للسينما)، وكانت الرؤى تتحاور وتتناقش حول إنشاء (الشـركة اليمنية لصناعة النسيج– الشـركة اليمنية لصناعة سيارات الشحن والجيب والمعدات الزراعية– شـركة الإسمنت اليمنية)، إضافةً إلى بعض الأنشطة الاقتصادية الأخرى، فقد كانت مشاركة رجال أعمالٍ مستثمرين من دولة الكويت الشقيقة إثباتاً منها على عمق العلاقة مع اليمن، إلا أن بعضها ضاع مع ما فُقد من مشاريع تنموية مشتركة.

وعودةً إلى تأسيس البنك فقد كانت الرؤية المحددة حينها لإنشائه هو تأدية دور رئيس في عملية جذب رؤوس أموالٍ عربيةٍ وأجنبيةٍ أخرى للاستثمار في اليمن، أي أن يصبح بنك استثمار على غرار �بنك باركليز البريطاني�، و�بنك مالايان بيرهاد الماليزي�، و�بنك ويلز فارغو الأميركي�، و�بنك الساحل والصحراء الليبي� وغيرها، وأن يساعد هذا البنك في طرح التصورات المُشجِّعة لفرص الاستثمار في اليمن على العديد من الأفراد والمؤسسات العربية والأجنبية، وتحديداً بعد أن أصدر قانون تشجيع الاستثمار رقم (18) لسنة 1975م، كما كان الغرض من تأسيس البنك أيضاً هو اعتباره محفظةً استثماريةً خاصةً بالإخوة الكويتيين عند تنفيذهم العديد من المشاريع الاستثمارية والتنموية في اليمن، ويذكرها وزير الاقتصاد اليمني حينها الأستاذ محمد عبدالوهاب جُباري بقوله: �زار اليمن وفدٌ كويتيٌّ كبير برئاسة رجل الأعمال الكويتي المهندس فوزي مساعد الصالح، وطرحوا فكرة إنشاء وتأسيس بنك اليمن والكويت للتجارة والاستثمار، بغرض أن يدير البنك المشاريع الاستثمارية الكويتية في اليمن�.

فتلاقت الرؤى وتلاقحت الأفكار، ونتج عنها إصدار موافقة الجانب اليمني على إنشاء البنك، وذلك عقب اجتماع لجنة التنمية التي ترأسها المقدم إبراهيم الحمدي، رئيس الدولة حينها، يوم الأحد 7 رمضان 1397هـ، الموافق 21 أغسطس 1977م، حيث نصَّت الفقرة (ثانياً) من محضـر هذا الاجتماع بـ�الاتفاق على إنشاء بنكٍ أهليٍّ تجاريٍّ مُوحَّد يُساهم فيه الجانب اليمني والجانب الكويتي�.

وحتى تتضح الصورة أكثر ويرتسم الحجم الحقيقي لبنك اليمن والكويت للتجارة والاستثمار في عامه الـ(48)، فإنه لا بد لنا من الرجوع إلى البدايات الأولى لإنشائه، فقد بدأ ككل البدايات الطبيعية صغيراً متواضعاً سواءً من حيث الكم أو الكيف، فقد كان مقره الرئيس المستأجر في بداية حياته في أول شارع الزبيري عبارة عن غرفتين فوقها شقة سكن ومكتب للممثل المقيم الكويتي، ومع توسع أعماله وازدياد مهامه، ونجاح سمعته، انتقل إلى المبنى الجديد المملوك له، والذي اعتبر في مرحلةٍ من مراحل اليمن من أفضل وأجمل العمارات اليمنية ذات الفن المعماري الأصيل والرائع.

وكما بدأ بنك اليمن والكويت للتجارة والاستثمار برأسمالٍ وقدره (50) مليون ريال فقط، وبلغت موجوداته في السنوات الأولى نحو (153) مليون ريال، فقد أصبح رأسماله في نهاية عام 2023م (19) مليار ريال بعد خطوات رفع رأسماله المتدرِّجة، وبلغ مجموع موجوداته (268) مليار ريال في 31 ديسمبر 2023م، وأصبحت ممتلكاته ومقراته تُغطي أغلب إداراته وفروعه في مختلف مناطق الجمهورية، بل في أهم وأجمل الشوارع الرئيسة في مدنه وحواضـره، وكما كان حجم العمالة في البنك عند تأسيسه (22) موظفاً معظمهم من الشباب اليمنيين المتخرجين من الجامعات والمعاهد التجارية والمالية وبدون خبراتٍ كافية، الأمر الذي اضطره إلى الاستعانة بخبراتٍ أجنبية حينها، أما اليوم فهو يضم أكثر من (1.000) موظف وموظفة من ذوي المؤهلات العلمية العالية وفي مختلف التخصصات، بل ذوي مهاراتٍ عاليةٍ وكفؤة، وغيرها من عناصـر النجاح والريادة التي ضمنت له أن يكون أحد أبرز البنوك الرئيسة في اليمن، إن لم يكن أبرزها وأكبرها في تدخلاته وتـمويلاته، وتوسعه الجغرافي، وتوفيره أحدث التقنيات التي جعلت منه بنكاً للمستقبل، ليعد هذا البنك أنجح وأبرز التجارب للتعاون العربي الجماعي الشامل التي أنشئت سواءً في نطاق الجامعة العربية أو عن طريق اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية، أو من خلال السوق العربية المشتركة، لما فيه تحقيق التكامل المالي بين الدول العربية من خلال إقامة مجموعة المشـروعات المشتركة الاستثمارية التي تعمل على استثمار أموالها في مشـروعاتٍ إنتاجية في شتى القطاعات، وفي دولٍ عربيةٍ مختلفة، إيماناً بواقع الأخوة، واللُّغة والدِّين والتَّاريخ والمصير المشترك.

* كاتب وباحث من اليمن




رأيكم يهــمنا

تهمّنا آراؤكم لذا نتمنى على القرّاء التقيّد بقواعد التعليقات التالية :
أن يكون للتعليق صلة مباشرة بمضمون المقال.
أن يقدّم فكرة جديدة أو رأياً جدّياً ويفتح باباً للنقاش البنّاء.
أن لا يتضمن قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم.
أن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.
لا يسمح بتضمين التعليق أية دعاية تجارية.