عنونت هذا الموضوعبحروب صعدة، والمقصود هنا كل الحروب التي تتصل بقضية صعدة من حروب مران وحيدان إلىحروب دماج وكتاف والصفراء وهمدان والخمري وحوث حتى حرب عمران الأخيرة وما قد يليهامن تداعيات، باعتبارها ليست سوى حلقات في سلسلة واحدة هي حرب صعدة.
لا بد من الإقرارأولا أن الحروب حيثما انطلقت وكيفما ابتدأت لا تدل إلا على فشل السياسة وانتقالالصراع السياسي إلى حقل السلاح ولم تكن الحروب الداخلية قط إلا وسيلة قذرة لتحقيقمآرب لا يمكن إلا أن تكون أيضا قذرة مهما تحجج المشتركون فيها بالعناوين الفاقعةوالقضايا النبيلة، وفي اليمن ليست الحروب مجرد تكريس لنزاعات واختلافات على مصالحبل إنها في كثير من الحالات استثمار متعدد الأغراض، وكشفت الأيام وربما ستكشف لناالأيام القادمة أن كثيرا من الحروب اليمنية كان يمكن أن لا تقوم لولا التدابيرالمسبقة بما فيها من تخطيط منظم وتمويل وتموين من مراكز قوى نافذة ليس تسويقالسلاح والاتجار به ونهب الموازنة العامة إلا جزءً من أهدافها غير المعلنة.
قال لي أحد الزملاءالمثقفين اليمنيين متعجبا من الضجيج الكبير حول سقوط عمران بيد الحوثيين: لا أدريلماذا هذه الولولة على عمران؟
وأضاف: عمران لم تسقط كل ما في الأمر إنها انتقلت منسيطرة أحد أطراف الحوار الوطني إلى طرف آخر، وبما إن الطرفين شريكان في الحواروالتوقيع على مخرجاته فلا خلاف في من يسيطر على عمران أو على أي منطقة أخرى، مادامت الدولة غير قادرة على بسط نفوذها على كل أرجاء اليمن، ثم متسائلا: أم إنعمران لن تكون وطنا ولن تكون جمهورية ولن تكون مع الثورة إلا إذا كان مسيطرا عليهاالإصلاح بمشائخه وعسكرييه وسياسييه؟
من المؤسف أن الكثيرمن السياسيين اليمنيين لا يتعلمون من أخطائهم، ولا يأخذون العبر من هزائمهم التيهي هزائم لكل الوطن بما في ذلك من يعتقدون أنفسهم منتصرين، وهكذا نلاحظ أن أكثرالمتشددين للحرب والمنادين بها والمحرضين عليها يتخلون عن دعواتهم بمجرد إثبات خطلما اعتقدوه وفشل ما خططوا له، وبدلا من الإقرار بأساس الخطأ وسببه الرئيسي وهواعتماد الحرب نفسها كوسيلة للصراع السياسي يذهبون للبحث عن مذنب آخر يحملونه فشلهموخيباتهم المتواصلة.
أعود مرة أخرى للتأكيدأنه لا أحد سعيد بما جرى في عمران وما ترتب على ذلك من دمار مادي ونفسي وإزهاقللأرواح وإراقة للدماء أما مآلات الحرب فقد كان من المفترض توقعها بعد أن أثبتت كلحروب صعدة وكل الحروب اليمنية المتناسلة أن الحرب لا تثمر إلا الوبال والدمار.
يبدو أن ذريعة اتهامأحزاب اللقاء المشترك وعلى الخصوص الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري بأنهما وراءهزيمة التحالف القبلي العسكري في عمران لم تعد تجدي، لأنها تخالف المنطق وغيرقابلة للتصديق و لذلك سمعنا أبواق دعاة الحرب الخائبين تبحث عن كبش فداء آخر تحملهسبب فشلها وهزيمتها المنكرة، واستقر أمرهم هذه المرة على اتهام وزير الدفاع ورئيسالجمهورية الذين لم يكونا طرفا في النزاع ولم يأخذ أحد برأيهما عند شن الحرب بلربما طالبا أكثر من مرة بوقف الحرب وكانت اللجان الرئاسية دليلا على عدم موافقةرئيس الجمهورية على الحرب، لكن رئيس الجمهورية في ظروف اليمن اليوم هو آخر من يؤخذبرأيه في قضايا الحرب والسلام، وهناك من يتعامل مع الرئيس الجنوبي على إنه مجردموظف جاء ليبرر لهم استمرار التحكم في مصير اليمن، وأن وزير دفاعه ليس سوى مسئولللشئون الإدارية لوزارة الدفاع بينما تظل قضايا الحرب وتوقفها بيد قوى أخرى، معلنةوغير معلنة.
يقول الخبراءالعسكريون أن اللواء 310 الذي هزم في عمران ليس مجرد لواء عادي بل إنه جيش مستقلبكامل عتاده، وعندما جرى حل الفرقة الأولى مدرع فقد حصل اللواء على نصيب الأسد منعتادها ومؤنها وموجوداتها العينية والمادية وقواها البشرية، وما استحوذ عليهالحوثيون من عتاد وأسلحة وبطاريات وصواريخ ودبابات ومدرعات وناقلات جنود مما كانلدى اللواء ليس سوى أقل القليل مما يتمتع به اللواء من قدرات عسكرية فنية وبشرية،وبالتالي فإن هزيمة جيش يتمتع بهذه القدرات يعني أن أي دعم كان يمكن أن يقدم له لنيضيف إليه كثيرا فوق ما لديه، (ولو نزل رئيس الجمهورية ووزير الدفاع بنفسيهماللقتال ضد الحوثيين)، وأن سبب الهزيمة ليس تقصير وزير الدفاع أو رئيس الجمهورية بلأن هناك أسبابا أخرى (بضم الألف) على المعنيين البحث فيها وليس التخلص من المشكلةبمجرد تعليق الأمر على رئيس الجمهورية ووزير دفاعه.
الهجوم على رئيسالجمهورية ووزير الدفاع يخفي وراءه أغراضا أخرى ليس لها علاقة بحرب عمرانومآلاتها، إنه محاولة لإخفاء ما يريده الرافضون لنتائج مؤتمر الحوار الوطني التيشعروا بأن تطبيقها سيقلم أظافرهم ويجردهم من الأنياب والمخالب التي يسيطرون بهاعلى سير الأحداث في اليمن وصناعة نتائجها.
من غرائب الأمور أنتأتي الهجمة المتصاعدة والشرسة على الرئيس هادي وعلى وزير الدفاع متزامنة مع دعوةنفس الطرف الذي يتبناها إلى إعادة تحالفه مع الرئيس المخلوع وحزبه، ووصل الأمربالبعض إلى الاعتذار عن "خطيئة" العام 2011م وهو ما يعني أن الدماء التيسكبت في ميادين الاعتصام والأرواح التي أزهقت في ساحات الحرية على يد قوات الرئيسالمخلوع ليس لها أي وزن في معيار هؤلاء وإنهم إنما كانوا يتداعبون بهذه الأرواحوتلك الدماء، وإن حديثهم عن الشروع نحو بناء يمن جديد ودولة جديدة لم يكن سوى حملةدعائية كاذبة لم يعد لها مكانا في قاموسهم اليوم.
من الواضح أن الحملةعلى الرئيس هادي ومناصريه ليست بسبب حرب عمران ونتائجها بل لأن مراكز القوى التياعتادت أن تصنع الرؤساء وتتحكم في اتخاذهم للقرار لم تعد قابلة أن تتحمل عدمالانصياع الذي أبداه هادي ووزير الدفاع (وبتعبير أدق عدم الانصياع الكلي) تجاهأوامر ومتطلبات وشروط هذه القوى، إنها تريد رئيسا موظفا هي تأمره فيقول لها مرحبا،وحينما يكون له رأي في ما عليه أن يفعل يذكرونه بالقول: لا تنس أننا نحن من جاء بكإلى سدة الرئاسة، وهم لا يترددون في خلق مختلف العراقيل والمبررات التي تفشل كلمسعى يبذله الرئيس وحتى الحكومة التي يسيطرون عليها، إفشال أي مسعى لخلق حالة منالاستقرار والسير خطوات ولو بطيئة إلى الأمام.
على المهزومينوالمنتصرين معا في حرب عمران وفي كل الحروب السابقة، أن يتعلموا أن الوطن ليس كعكةيتضاربون على من يأخذ النصيب الأكبر منها، وإن الهزيمة والانتصار ليست معياراللوطنية والحضور السياسي، فبقدر ما ينبغي على المهزوم أن يراجع حساباته وأن يقر أنهزيمته لم تكن لأن الآخرين خذلوه أو لأن العالم يتآمر عليه، كما إن على المنتصر أنيعلم أن نصره ليس لأن الله دائما معه أو أن الشعب يحبه لكنها قد تكون مساوئالآخرين هي من مكنه من النصر (الكاذب) لأن الشعب اليمني لا يبحث عن شجعان يجيدونالقتل والتفجيرات والتدمير بل يريد حكاما يقيمون العدل والحق وينهون المظالمالمزمنة والتخلف المستفحل والفساد المستشري والخوف والرعب والإرهاب المكرس من قبلبعض مراكز القوى التي تدعي محاربته، في العلن وتدعمه في السر.
أغرب غرائب حرب عمران(المدينة التي لا تزيد مساحتها عن عشرين كليو متر مربع) أن انتقالها من أيديالمشائخ والعسكر الخارجين عن طاعة الدولة إلى يد الحوثيين الذين تواجهوا مع الدولةعلى مدى عشر سنوات، أغرب ما فيها أنها جعلت المولولين يختزلون الوطن والجمهوريةوالثورة في هذه المدينة، بينما سقطت محافظات جنوبية كاملة مساحتها عشرات الآلاف منالكيلو مترات المربعة بيد أنصار الشريعة (وقبلها سقطت محافظة صعدة نفسها بأيديالحوثيين) ولم نسمع لهم كلمة عتاب أو أسف على الأرواح وهي تزهق والدماء وهي تسيلوالأموال والمنشآت وهي تسلب وتنهب، ناهيك عن الجمهورية والثورة والوطن، بل لقد راحبعضهم يعاتب الذين يحاربون (أنصار الشريعة) معتبرين الحرب على الإرهاب إنهاكللموازنة العامة، أما وهم يرون القتل الذي تشهده محافظة الضالع ومحافظات أخرى علىيد قوات الجيش أو على أيدي الجماعات الإرهابية التي يطالبون الرئيس بالرفق بها،فإن كل هذا لا يهز لهم شعرة ولا يهدد الوطن ولا الجمهورية ولا الثورة في شيء ناهيكعن أرواح المواطنين وأملاكهم ومستقبل أطفالهم الذي لا مكانة له فيقواميس هؤلاء.
برقية شعرية من قصيدة"في وداع رمضان" للشاعر مؤيد حجازي:
يا خير من نزلَ النــــــفوسَ أراحلٌ بالأمسِ جئتَ فكيفَ كيفَ سترحلُ
بكتِ القـــلوبُ على وداعك حرقةً كيف العـــــــيونُإذا رحلتَ ستفعلُ
من للــــــــقلوبِ يضمهافي حزنها من للنــــــــــفوس لجرحها سيعلّلُ
ما بال شهرالصومِ يمضي مسرعاً وشهورُباقي العام كم تتمــــــــهّلُ