كتابات وآراء


12 ديسمبر, 2014 02:05:00 م

كُتب بواسطة : د.عيدروس نصر النقيب - ارشيف الكاتب


د عيدروس نصر ناصر



مع تنامي فعاليات الحركة الاحتجاجية السلمية الجنوبية في كل من عدنوالمكلا وبقية مناطق الجنوب، وتطاول فترتها وغياب الخطة الزمنية لفعاليات الاحتجاج،ومع كثرة الاجتهادات وغياب رؤية موحدة لمراحل وخطوات الثورة الجنوبية ولقضاياهاالاستراتيجية وتكتيكاتها السياسية تتسلل إلى ساحات الثوار الكثير من الشائعاتوالإيعازات بل والأطروحات، التي تثير من التشتت الذهني والتفرق بين صفوف الثواروتترك من الآثار السلبية الكثير، من خلال إلهاء الناس بها وحرف اهتمامهم عن القضيةالرئيسية التي من أجلها اندلعت الثورة السلمية الجنوبية وقدمت قوافل الشهداءوالجرحى والمفقودين.



يستعذب الكثير من السياسيين المحسوبين على الحراك، سواء من بعضالنشطاء المبكرين أو ممن التحقوا مؤخرا بساحات الحراك، يستعذبون التوقف عند أموريعلمون أنها مثار خلاف وأن الجدل فيها والخوض في تفاصيلها يخسر الساحة الجنوبيةالكثير دون أن يحقق لها أي عائد يسمن أو يغني من جوع، مثل الخوض في : هل هدفالثورة السلمية الحرية والاستقلال أم استعادة الدولة؟ هل الجنوب هو الجنوب العربيأم جنوب اليمن أو الجنوب اليمني؟ ووصل الأمر بالأستاذ عبد الرحمن الجفري رئيس رابطةأبناء الجنوب (رأي) ونائب رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية (21/مايو ـ 7/ يوليو1994م) إلى إثارة بلبلة واسعة بين المعتصمين والثوار الجنوبيين عندما قال فيمقابلة صحفية له: إن الدولة الجنوبية لا يمكن استعادتها لأنه قد تم التنازل عنهافي 1990م وأنه لم يعد لها وجود فكيف نستعيد ما لم يعد موجود؟



طبعا يمكن الخوض مطولا في هذا المنطق المعوج؟ فمن الناحية الشكلية(المنطق الشكلي) الاستعادة لا تكون إلا للمفقود أما الموجود فليس بحاجة إلى منيستعيده لأنه موجود، ناهيك عن مفهوم التنازل الذي لا أدري ماذا يقصد به، ذلك أن ماجرى في العام 1990 ليس تنازلا لأن الدول ليست شحنة بضائع أو عقار استثماري أوسكني، حتى يتم التنازل عنها، أقول هذا وأنا أعلم أن وحدة 1990م كانت مرتجلةوعشوائية وبلا دراسة ومتسرعة وكارثية، لكنها لم تكن تنازلا كما صورها الأستاذالجفري، بل كانت اتفاق شراكة بين طرفين غدر أحدهما بالآخر وأقصاه واستولى على كلما يدخل في الاتفاق واستغله أسوأ استغلال.



لكن مناقشة الأستاذ الجفري تتطلب الخوض في قضايا كثيرة ليس هذا وقتها ولامكانها ولا الظرف المناسب لها، وما قصدناه أن الحالة الثورية في الجنوب إذ تستدعيالقبول بالتنوع والاختلاف فإنها بنفس القدر تستدعي التعاطي بحذر مع القضايا الخلافيةلأنه لو أصر كل طرف من المنخرطين في الحراك السلمي الجنوبي على رؤيته فقط فستتحولالثورة إلى ثورات وربما ثورات ضد بعضها البعض، وينسى الثوار الخصم الرئيسي الذيثاروا ضده، ناهيك عن أن أية محاولة لتسخير الثورة الجنوبية إلى محاكمة للماضيوتصفية الحساب معه ستفتح الأبواب على مصاريعها لحسابات عدة الجنوب والجنوبيون فيغنى عن الخوض فيها.



وكان كاتب هذه السطور قد طالب مرارا كل نشطاء الحراك السلمي إلى  تأجيل الخوض في القضايا الخلافية حتى تحسمالقضية المركزية، وهي قضية تحرير الأرض والإنسان واستعادة الكيان الجنوبي وبناءالدولة الجنوبية، وحينها ستحسم القضايا الخلافية من خلال الهيئات الشرعية التي لابد أن ينتخبها الشعب الجنوبي بإرادته الحرة بعيدا عن الإكراه والوصاية أو الترهيبوالترغيب.



الذين يستمتعون في الخوض في الجزئيات غير الرئيسية وعديمة القيمة (علىالأقل في اللحظة الراهنة) يعملون بوعي أو بدون وعي على زرع مزيد من الإحباط بينصفوف الثوار وتشويش المفاهيم عليهم، وربما تسبب هذا في تمزيق الصف الجنوبي وتحويلالثوار من مناضلين ضد الاحتلال وسياسات النهب والاستباحة والقمع والتنكيل  والإقصاء إلى مناضلين ضد بعضهم البعض.



فحذارِ ثم حذارِ ثم حذارِ من تمزيق الصف الجنوبي والعبث بطاقاتالثوار.



برقيات:



يقول الشاعر العربي الكبير محمود درويش رحمه الله:



بَحَّارَةٌ  حولي ، ولا  ميناء، أَفرغني  الهباءُ  من الإشارةِ والعبارةِ، لم  أَجد وقتاً لأعرف  أَين مَنْزِلَتي، الهُنَيْهةَ، بين  مَنْزِلَتَيْنِ، لم  أَسأل  سؤالي،بعد، عن  غَبَش  التشابُهِ  بين  بابَيْنِ: الخروج  أم الدخول  ولم  أَجِدْموتاً لأقْتَنِصَ  الحياة، ولم  أَجِدْ صوتاً لأَصرخَ:  أَيُّها الزَمَنُ  السريعُ ! خَطَفْتَني  مما تقولُ  لي  الحروفُ الغامضات: ألواقعيُّ  هو الخياليُّ الأَكيدُ.