كتابات وآراء


09 ديسمبر, 2014 01:37:00 ص

كُتب بواسطة : د.عيدروس نصر النقيب - ارشيف الكاتب




منذ تأسيس اللقاء المشترك بعد العام ١٩٩٩م  وبالتحديد مع مطلعالعام 2001م جرى في نهر الحياة السياسية اليمنية الكثير من المياه  بعضها سارباتجاه المصب الذي يخدم القضايا التي من أجلها أقيم هذا التكتل السياسي، بينما سارالبعض الآخر في الاتجاه المعاكس، ولقد كانت هناك لحظات تاريخية حاسمة في حياة هذاالتكتل السياسي كان يمكنه ان يحولها الى إنجازات كبيرة لصالح الشعب اليمني فيالشمال والجنوب لولا بعض الحسابات غير الدقيقة لبعض القيادات وتمسك بعض مكوناتالمشترك بمسلمات لم يعد الزمن يقبل بها، ويمكننا هنا التوقف عند ثلاث محطات هامةفي تجربة اللقاء المشترك هي: الانتخابات الرئاسية (٢٠٠٦م)؛ التشاور والحوار الوطني(2009ـ2011م)؛ الثورة الشبابية السلمية ٢٠١١م


ففي الانتخابات الرئاسية التي ربطتها لجنة الانتخابات ( المعينة منقبل الرئيس علي عبد الله صالح) بانتخابات المجالس المحلية للمديريات والمحافظات،كانت موافقة المرحوم المهندس فيصل بن شملان لدخول المنافسة مع الرئيس الذي كانحينها قد قضى جالسا على كرسي الحكم ما يقارب العقود الثلاثة، كانت مكسبا كبيرالصالح اللقاء المشترك وكان يمكن للمشترك أن يصنع من هذا المكسب مأثرة لإظهار جديتهفي معارضة الحكم على طريق تغييره وليس فقط على طريق استلطافه لإجراء إصلاحات فيإطار المنظومة التي كانت قد استنفدت صلاحيتها وانتقلت إلى خانة (منتهي الصلاحية)،وأتذكر أننا كنا نذهب للمهرجانات الانتخابية متوقعين حضور الآلاف لكننا كنا نتفاجأبعشرات وأحيانا بمئات الآلاف من المؤيدين للمرشح المرحوم بن شملان رغم تواضعالحملة الانتخابية والإعلامية منها على وجه الخصوص، وفي نظري أن المسألة يمكنفهمها إذا ما ربطنا ذلك بما يتمتع به بن شملان من سمعة طيبة ومواقف وطنية تبعث علىالفخر والاعتزاز، وكذلك حالة اليأس التي تولدت لدى الغالبية العظمى من المواطنينمن فترة حكم علي عبد الله صالح التي لم تجلب لهم سوى الفقر والفساد وتراجع الخدماتوتدهور الأمن وغياب العدل وتشجيع الحروب ونزاعات الثأر وتخلف التنمية واتساع الهوةبين الأغنياء والفقراء والتراجع القيمي الأخلاقي الذي كان قد بلغ أسوأ مستوياتهوغيرها. 


ومع التسليم بعدم التكافؤ في المنافسة بين الطرفين فإن الكثيرين قدعلقوا آمالا كبيرة على جدية المنافسة وصدقية الممارسة الانتخابية، لكن النتائجالتي تعرضت للعبث والتزوير كانت مخيبة لتلك الآمال وخلقت صدمة عنيفة في وجدانالناخب اليمني، ولنتذكر جميعا أن اندلاع الثورة الجنوبية السلمية قد جاء بعيد هذهالانتخابات بثلاثة أشهر وبضعة أيام فقط وذلك للتعبير عن اليأس من إمكانية حصول تغييرجدي في منظومة الحكم في إطار الدولة اليمنية الواحدة وفي ظل استمرار تمسك تحالف١٩٩٤م بنتائج حربه على الجنوب. 


ولقد كان الجميع يتوقع حصول تزوير في نتائج الانتخابات لكن هناك أمرانفات اللقاء المشترك التفكير في التعامل معهما، الأول توقع فوز المرشح المعارض بنشملان، فمعظم قيادات المشترك كانت تتعامل مع ترشح بن شملان على إنه مجرد إيصالرسالة للحاكم بأنه لم يعد محبوبا لدى المواطنين ( أو على الأقل لدى جزء كبير منهم)ولم يفكر قادة المشترك في فرضية الفوز، والثاني هو ماذا لو فاز مرشح المشترك وجرىاختطاف النتيجة، وقد دلت التطورات اللاحقة على فوز بن شملان وتعرض النتيجةللاختطاف والاغتصاب مثل كثير من الأشياء في هذا البلد.


وأتذكر تصريحا للناطق الرسمي باسم تكتل أحزاب المشترك حينها الزميلمحمد قحطان كان قد عبر عن رفض الاعتراف بالنتيجة وعندما سأله أحد الصحفيين ماذاستفعلون؟ رد سنلجأ إلى الشارع، وقد تعرض الزميل قحطان بعدها لحملة ضغوط وانتقاداتمن قبل بعض قيادات من المشترك مما اضطره إلى تغيير تفسير ما كان يقصده بالشارعبالقول: إنه كان يقصد النزول إلى الشارع لإحصاء أنصار الرئيس السابق وأنصار بنشملان.


كان خذلان بن شملان من قبل المشترك ضربة موجعة ليس لمرشحه الرئاسي ذيالسمعة المحترمة والمواقف الوطنية المشهودة، بل ولمشروع المشترك نفسه الذي ما انفكقادته يكررون أنهم متمسكون بحق المواطن في المشاركة في صناعة  القرار وبناءدولة القانون، وقد رفض المرحوم بن شملان الاعتراف بالنتيجة لكنه فضل الصمت بعد أنتخلى أصحاب الشأن عن قضيتهم واكتفى برفض تهنئة الرئيس الذي خطف النتيجة واغتصبالحق، بالتهديد باللجوء إلى الطائرة والدبابة كما عبر عن ذلك صالح الضنين في تعزوكما كشف الأمر لاحقا اللواء علي محسن الأحمر.


    *    *     *.


كانت الدعوة للتشاور الوطني خطوة جريئة من قبل قيادة تكتل اللقاءالمشترك، ورسمت هذه الخطوة جملة من المنطلقات الفلسفية لمفهوم الحوار لعل أهمها أنالحوار الذي ظل بين نخبتين سياسيتين هما السلطة والمعارضة لم يثمر شيئا لصالحقضايا الشعب لأن الشعب كان مستبعدا من أي حوار، لذلك جاء الانتقال بالحوار ليكونمع الشعب وبين أفراد الشعب بشرائحه ومكوناته المختلفة، وقد اتسعت دائرة التشاوروالحوار لتشمل جملة من الشرائح والفئات الاجتماعية التي لم ينخرط بعضها قط فيالشأن السياسي تبعا للقطاعات الاجتماعية المختلفة كالشباب والطلاب والمرأةوالمثقفين والأكاديميين، والوجهاء الاجتماعيين ومنظمات المجتمع المدني وفئة قدماءالمناضلين ومنهم ثوار سبتمبريين وأكتوبريين، والقادة السياسيين والعسكريينوالدبلوماسيين، كما جرى الحرص على دعوة ممثلين للحراك الجنوبي وجماعة الحوثي (قبلأن يسموا بـ"أنصار الله") للمساهمة في الجلسات الحوارية والفعالياتالمصاحبة من ندوات ومحاضرات وورش عمل وحلقات نقاش، ثم بعض البرامج الحوارية عبرقناة سهيل بعد افتتاحها.


لا يمكن التقليل من الأعمال المهمة التي أنجزها التشاور الوطني ثمالعمليات الحوارية اللاحقة التي استقطبت الكثير من الفئات التي ظلت خارج الفعلالسياسي، لكن الكثير من المآخذ يمكن تسجيلها اليوم بعد انجلاء الكثير من الغبارعلى حقائق الحياة السياسية، وأهمها: إن المشترك لم يكن يمتلك رؤية واحدة مشتركةلكل القضايا الحوارية والتي تركزت في مجموعة محاور كالأزمة السياسية، الأزمةالاقتصادية، القضية الجنوبية، قضية صعدة وغيرها من القضايا، ولم يكن هناك تصورواضح حول : إلى ماذا سيفضي الحوار، فجاءت مداخلات ومساهمات المكونات المختلفةمتعارضة وغير منسجمة وأحيانا متصادمة، لكن هذا لم يكن أكبر ما قلل من أثرالفعاليات الحوارية، إن القضية الأكثر حساسية والتي كان لها أثرٌ كبيرٌ في سياقالفعاليات الحوارية هي الموقف غير المنسجم من القضية الجنوبية وقضية صعدة فقد دخلشركاء الحوار وكل منهم يحمل تصوره الذي يتعارض مع تصورات البعض الآخر، تجاه هاتينالقضيتين، وسبب ذلك مفهوم، وهو أن جزءا من المشترك ومن المشاركين في الحوار الوطنيكانوا طرفا رئيسيا في غزو الجنوب وفي ما ترتب على الحرب على الجنوب من آثام السلبوالنهب والسطو والاستحواذ، وما رافق تلك السياسات من مظالم قاتلة ومدمرة للنسيجالوطني الاجتماعي بين طرفي الحرب، أو بالضبط بين شمال اليمن وجنوبه، كما هو الحالفي الموقف من حرب صعدة حيث ظل البعض ينظر إلى الحركة الحوثية من نفس المنطلقاتالتي ظل يروج لها إعلام السلطة، وأتذكر أننا وفي إحدى ندوات الحوار الوطني وكانتتحت عنوان "القضية الجنوبية"، كنا قد طلبنا من دولة المهندس حيدر العطاسـ رئيس الوزراء الأسبق ـ مداخلة يمكن أن تقرأ نيابة عنه، وقد بعث بمداخلته عبرالبريد الإلكتروني، لكن تم رفضها لأنه استخدم مفردات مثل الاحتلال والغزو وغيرهافي إشارة إلى حرب 1994م لكن الكثير من المداخلات التي قدمها المشاركون عن الحراكالجنوبي قد كانت أكثر جرأة من مداخلة العطاس لكنها جاءت شفوية ولم تستطع قيادةالندوة إيقافها.


وقد أشرت ذات مرة أن كاتب هذه السطور كان قد تقدم بمقترح إلى أن يتبنىالحوار الوطني مبادرة تدعو إلى بناء دولة يمنية فيدرالية ثنائية بإقليمين (شمالوجنوب) وفقا لحدود عام 1990م  وقد ووجه صاحب المقترح بما يشبه الاتهامبالكفر، وكان التصلب الذي رفض به هذا المقترح حتى من قبل من لم يستفيدوا من نهبالجنوب من داخل المشترك يؤشر إلى صعوبة الوصول إلى قواسم مشتركة تقدم حلول جادةلمعضلات اليمن المزمنة وفي مقدمتها القضية الجنوبية.


وما ينطبق على التعامل مع القضية الجنوبية يمكن إسقاطه على قضية صعدةمع التمايز الواضح بين القضيتين من حيث البعد السياسي والعقائدي والنطاق الجغرافيوحقائق التاريخ القريب والبعيد واتصال القضية الجنوبية بكيانين سياسيين فشلا فيإقامة مشروع وحدوي قابل للحياة، ففي حين كان يدعى بعض ممثلي الحوثيين للحديث عنقضية صعدة كان الكثير ينظر إلى هؤلاء على إنهم "روافض" وفي أحسن الأحوالكان يجري التعامل معهم على إنهم أنصار مؤقتون لمرحلة لاحقة يمكن حسم الخلافات معهمعلى طريقة "لكل حادث حديث".


إن غياب الجرأة الكافية في الإشارة إلى حتمية تغيير نظام الحكم كهدفرئيسي لعملية التشاور والحوار والاكتفاء بالإشارات الدبلوماسية، وغلبة الحساباتالبراجماتية على الاعتبارات الوطنية لدى بعض أطراف التشاور والحوار (المشتركي) قدثبط من الحماس لدى المشاركين فيه ودفع الشارع السياسي اليمني باتجاه خيار الثورةالتي كانت قد بدأت في الجنوب في العام 2007م على هيئة الحراك السلمي الجنوبي ثمالثورة الشبابية التي شهدها محافظات الشمال اليمني في العام 2011م .


وقد استمرت الفعاليات الحوارية حتى اندلاع الثورة الشبابية السلميةوحتى طوال العام 2011 وبداية العام  2012م عند التوقيع على المبادرة الخليجيةوتشكيل حكومة الوفاق الوطني التي لم تعرف وفاقا في كل أعمالها.


وللحديث بقية


برقيات:


 *     ما تزال أحاديث الأستاذ عبد الرحمنالجفري رئيس حزب رابطة أبناء الجنوب (راي) نائب رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية ـمثل بعض تصرفاته ـ تثير الكثير من الاستفزازات والانقسامات، فبدلا من السعي لتوحيدالشارع الجنوبي في إطار الثورة الجنوبية السلمية، راح الأستاذ الجفري، يقسم الناسإلى فريقين، فريق استعادة الدولة وفريق الحرية والاستقلال وهي سفسطات فيها منالضرر أضعاف ما فيها من النفع، إن كان هناك ما ينفع أصلا.


 *    يقول الشاعر العربي أحمد مطر:


قلت  لكم  بأن  بعض  الأنظمةْ


غربيةٌ  لكنها مترجمةْ


وأنها لأتفه  الأسبابْ


تأتي  على  دبابةٍ  مطهَّمةْ


فتنشر الخرابْ


و تجعل  الأنام  كالدوابْ


و تضرب  الحصار حول  الكلمةْ


 .   .   .   .   .


قلت  لكم، إن  الشعوب  المسلمةْ


رغم  غناها معدمةْ


وإنها بصوتها مكممةْ


وإنها تسجد للأنصابْ


وإن  من  يسرقها يملك  مبنى  المحكمهْ


ويملك  القضاة  والحجابْ.