كتابات وآراء


04 ديسمبر, 2014 12:39:00 ص

كُتب بواسطة : د.عيدروس نصر النقيب - ارشيف الكاتب






منذ أسابيع كان كاتبهذه السطور قد توجه بالدعوة إلى بناء جبهة وطنية جنوبية عريضة تستوعب كل ألوانالطيف السياسي الجنوبي بهدف توحيد كلمة الجنوبيين على قواسم مشتركة واضحة هي أصلاجلية في خطاب كل المكونات السياسية الجنوبية بدون استثناء وتتمثل في تقرير مصيرالشعب الجنوبي واستعادة الدولة الجنوبية بحدود 21 مايو 1990م من أجل الشروع بعدذلك في بناء النظام الجنوبي الجديد المعبر عن تطلعات كل أبناء الجنوب والمستجيبلمتطلبات العصر في دولة مدنية ديمقراطية تعددية قائمة على الحريات العامة والتداولالسلمي للسلطة وتحقيق العدالة الاجتماعية ومن خلال التوزيع العادل للثروة بما يحققمصالح كل الطبقات والشرائح الاجتماعية؛ وبدون قيادة ائتلافية موحدة كهذه، تعبر عنكل الجنوبيين لا يمكن الحديث لا عن استعادة الدولة ولا عن تقرير المصير ولا حتى عنإحداث تغيير فعلي في ميزان القوى لصالح تحقيق تلك الأهداف.


هناك جذر ثقافيومعرفي يكمن وراء فشل مكونات الثورة الجنوبية في الالتفاف حول بعضها وتكوين واجهةسياسية تعبر عن الجميع، هذا الجذر يتمثل في عدم القدرة على التمييز بين مفاهيمالوحدة والتحالف والاختلاف والتباين والتخاصم.


 هذه المفاهيمهي مستويات من العلاقة بين الأطراف السياسية المختلفة، لكن عندما تكون هذه الأطرافمنخرطة في فعالية واحدة وترفع شعارات مشتركة وتقريبا متطابقة وتعلن العمل من أجلتحقيق هدف مشترك  واحد وتستخدم نفس الوسائل المشتركة  فلا أدري ما الذييمنع هذه الأطراف من أن تعمل معا على تكوين حامل سياسي واحد للقضية التي تناضل منأجلها.


هناك اعتقاد لدىالكثير من الناشطين السياسيين في الجنوب على وجه الخصوص إن القوى السياسية ما لمتكن متحدة ومندمجة مع بعضها فهي لا بد أن تكون متعادية ومخاصمة لبعضها البعضوبالتالي فهي في صراع مع بعضها والصراع في العادة لا ينتهي إلا بقضاء أحد أطرافهعلى بقية الأطراف، وهو موروث عريق في ثقافتنا السياسية العربية والإسلامية، مايفسر لنا لماذا كل تاريخنا السياسي ليس سوى تاريخ الحروب والانقلابات وتصفياتالقوى السياسية بعضُها بعضا، وللأسف انتقل هذا النوع من العلاقة إلى القوىالمعارضة ومنها حراكنا الجنوبي السلمي الذي يخوض ثورة شعبية سلمية قل نظيرها منذأكثر من سبعة أعوام.


ليس صحيحا أن البديلالوحيد للوحدة والاندماج هو الخصام والصراع، أو بعبارة أخرى ليس صحيحا أنالجنوبيين أمام خيارين فقط هما: إما التفكك وبالتالي التنازع والصراع وإما الوحدةوالاندماج، هناك خيار ديمقراطي حضاري آخر يوفر على السياسيين كلفة النزاع والصراعويحميهم من الذوبان في بوتقة الاندماج الذي قد لا تتوفر شروطه ويسهل عملية النضالمن أجل الأهداف المشتركة لمختلف الفرقاء السياسيين، ذلك هو خيار التحالف وقيامأطار وطني عريض تنخرط فيه جميع مكونات العملية الثورية الجنوبية للتمكن من حشد كلالطاقات من أجل بلوغ غايات الثورة وأهدافها المنشودة.


سيكون من الصعب وربمامن المستحيل على كل المكونات السياسية أن تتفق في جميع الرؤى والمواقف من جميعالقضايا والخطوات والتكتيكات والأهداف السياسية بعيدة المدى، وهو أمر مفهوم،لكن  هل هذا يقتضي أن نضحي بالثورة وبقضية الوطن حتى يبقى المختلفون علىاختلافاتهم، أم أن على العقلاء أن يبحثوا عما هو مشترك بين الجميع، وهو في حالتناالجنوبية واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، وفي ضوء ذلك الاتفاق على كيفية العملالمشترك من أجل تحقيق الهدف المشترك بالوسائل المشتركة المتوافق عليها.


الأهداف المشتركةتسمى في علوم السياسة (وفي علم الرياضيات أيضا) "القواسم المشتركة"والعمل المشترك يسمى أيضا في علم السياسة "التحالفالسياسي"،   . . ذلك هو الجبهة الوطنية العريضة التي دعونا لها منذأكثر من شهرين، والتي كان من الممكن الشروع في بنائها منذ انطلاق الحراك السلمي أوعلى الأقل منذ بداية الاعتصام الأخير في 14 أكتوبر المنصرم.


عدم اتفاق المكوناتالسياسية (المتفقة في كل شيء) على قيام هذا التحالف الوطني العريض يكشف أن لدىالبعض حسابات خاصة لا علاقة لها بالوطن والشعب، ومن يعمل لحسابه الخاص عليه أن يكفعن الحديث باسم الشعب ويعلنها صراحة أن لديه مشروع آخر غير ما يتحدث به إلىالجماهير أما الاستمرار في هذا السلوك المزدوج ـ الإعلان عن نفس الأهداف والشعاراتوالمطالب التي يرفعها الآخرون  ورفض العمل مع هؤلاء الآخرين ـ فهو إنما يعرضأصحابه للتشكيك والتساؤل والاشتباه وهو يلحق من الأضرار بالثورة الجنوبية أبلغها،لأنه يتسبب في تعطيل طاقات متوفرة ويهدر طاقات في غير مجالاتها ويوسع الشكوكوالاتهامات ويثير أجواء عدم الثقة بين أصحاب القضية الواحدة والهدف الواحد.


إننا عندما ندعو إلىبناء جبهة وطنية عريضة (ولتسم أية تسمية يتفق عليها الفرقاء) لا نطلب من المكوناتالسياسية غزو المريخ أو حتى تسلق قمة إيفرست، بل نطلب منهم عملا سياسيا بشريامقدورا عليه: أن يجتمع قادة المكونات ويكلفوا ثلاثة أو أربعة من السياسيينوالقانونيين ليعدوا وثيقة أساسية ولو من صفحتين تحدد الأهداف والمبادئ المشتركةويتوافق القادة على قوام وهيكل قيادة هذا العمل التحالفي وتحديد مهام الدوائروالأقسام وشكل رئاسة الجبهة (والتي يمكن أن تكون دورية بين المكونات تبعا لمعياريتفق عليه المجتمعون) وحيث أن المؤتمر الجنوبي الجامع قد تعثر كثيرا واستنزف جهداووقتا كبيرين فإنه يمكن أن يتم إشهار الجبهة الوطنية العريضة في اجتماع للقياداتدونما حاجة إلى مؤتمر موسع، ويمكن أن يعلن عن بقاء باب الانتماء إلى هذا الكيانمفتوحا لمن شاء حتى لا يستثنى أحد من بعض المكونات حديثة النشأة أو ممن قد تنشأبعد الإعلان.


الوقت يمضى بسرعةالصاروخ والطاقات البشرية المتكدسة في الساحات والميادين لها أمزجة مختلفة ومتقلبةوإذا لم يستثمر المزاج الثوري القائم اليوم فغدا قد يكون متأخرا ومتأخرا جدا


برقيات:


*   تنشرالعديد من المواقع الإلكترونية أخبارا عن توجيه إنذار للمواطنين الشماليين من قبلبعض من يدعون أنهم يمثلون الحراك السلمي في هذه المديرية أو تلك، يطلب من هؤلاءالمواطنين مغادرة الجنوب في مهلة زمنية محددة، وهذا السلوك إن صح إنما يمثلانحرافا أخلاقيا صارخا عن قيم الثورة والنضال السلمي ويقدم خدمة مجانية لأعداءالثورة الجنوبية.


*   الثورةالسلمية الجنوبية ـ وهي سلمية في المقام الأول ـ هي ضد الطغاة والمستبدينوالناهبين واللصوص والقتلة وليست ضد الباعة المتجولين أو عمال المطاعم والحوانيتوالبناء والإنشاء والتجارة، بل إن هؤلاء ينبغي حمايتهم من أي عدوان حتى لو كان منالسلطة نفسها.


*   يقولالإمام الشافعي رحمة الله عليه:


الناسُ بالـــناسِ ما دام  الحــيـاءُ بهــمْ      والســــــعدُ لا شـكَّ  تــاراتٌ  وهبـَّاتُ


وأفضلُ  الناسِ ما بين  الورى  رجلٌ       تقــضى على  يـدهِ  للــنـاسِ  حاجاتُ


لا تمنعنَّ يـدَ  المعــروفِ  عــن أحــدٍ     مـــا  دمـتَ  مقـــتدراً فالســعدُ  تـاراتُ


واشكرْ فضائلَ صـــنع  الله إذ جعـلتْ      إليــــــكَ لالكَ  عنــد النـاسِ  حـاجـاتُ


 قـد ماتَقــومٌ  وما ماتتْ  مكــارمهمْ      وعاشَ قـومٌ  وهـم  في  الناس  أموات