كتابات وآراء


31 يوليه, 2024 06:03:00 م

كُتب بواسطة : محمد عبدالله المارم - ارشيف الكاتب




تشهد محافظة شبوة ظاهرة مقلقة وغير مسبوقة تتصاعد بوتيرة متسارعة، حيث تزايدت حوادث القتل داخل الأسر. ما كان يُعتبر نادرًا أو مستحيلًا في الماضي، أصبح الآن واقعًا مؤلمًا يتكرر بشكل مزعج. الأخبار الصادمة عن الابن الذي يقتل والده، أو الأخ الذي يقتل شقيقه، أو حتى العم، تعكس أزمة أخلاقية واجتماعية عميقة. هذه الجرائم ليست مجرد حوادث فردية، بل هي انعكاس لمشكلات أعمق تواجه مجتمعنا.

تسلط هذه الحوادث الضوء على أزمة أعمق تتعلق بتآكل القيم الأسرية وتفكك الروابط الاجتماعية. القيم التي كانت تحافظ على تماسك الأسر لم تعد كما كانت في السابق، مما يثير تساؤلات حول العوامل التي ساهمت في هذا التحلل. من بين هذه العوامل، التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، مثل التحولات في سوق العمل والضغوط المالية المتزايدة، فضلاً عن التغيرات الثقافية التي تؤثر على أسلوب الحياة. كما أن انتشار المخدرات يعد من الأسباب المهمة التي أسهمت في تفاقم هذه الظاهرة.

تُعد المخدرات، بما في ذلك القات والشبو والشمة، من العوامل الرئيسية التي تسهم في انتشار الجرائم داخل الأسر. القات، على وجه الخصوص، يُعتبر من أكثر المواد المخدرة انتشارًا وتأثيرًا بين الشباب، حيث يستخدمه العديد منهم بشكل مفرط. تأثير القات لا يقتصر فقط على الصحة الجسدية، بل يمتد ليشمل الصحة العقلية والنفسية، مما يؤدي إلى تغيرات سلوكية قد تزيد من احتمال ارتكاب الجرائم. بالإضافة إلى ذلك، الفراغ الذي يعاني منه الشباب، في ظل نقص الأنشطة الترفيهية والمجتمعية، يزيد من تفاقم هذه الظاهرة.

في الآونة الأخيرة، زادت خطورة المشكلة مع إضافة الشبو إلى الشمة، مما ضاعف من الآثار السلبية على الصحة العقلية والجسدية للمستخدمين. هذه المواد المخدرة تجعل الشباب أكثر عرضة للانخراط في أعمال عنف، مما يؤدي إلى تفكك الروابط الأسرية والاجتماعية.

تراجع دور الأسرة كمصدر للتوجيه والدعم يُعد من العوامل المؤثرة في تفاقم هذه الأزمة. عدم وجود نماذج إيجابية يُحتذى بها يدفع الأبناء إلى الانزلاق نحو سلوكيات منحرفة. في الماضي، كانت الأسر تُعتبر حصنًا منيعًا يحمي أفرادها من التأثيرات السلبية للمجتمع، ولكن اليوم نرى تفككًا واضحًا في هذا الدور، حيث يعيش كل فرد في عالمه الخاص، حتى وإن كانوا تحت سقف واحد.

لمعالجة هذه الأزمة، يجب أن تتضافر جهود السلطات والمجتمع المدني. يجب على السلطات المحلية تنظيم حملات توعية تستهدف الشباب والأسر لتسليط الضوء على مخاطر المخدرات وأهمية تعزيز القيم الأسرية. كما يجب إجراء فحوصات دقيقة للمواد المخدرة، مثل القات، للتأكد من خلوها من المواد الضارة التي قد تؤدي إلى تفاقم الأزمات النفسية والاجتماعية.

بالإضافة إلى ذلك، يجب إعادة بناء وتعزيز الروابط الأسرية من خلال برامج تعليمية وتدريبية تهدف إلى استعادة دور القدوة الإيجابية في حياة الأبناء، مما سيسهم في تقليل انتشار الجرائم وتحسين الاستقرار الاجتماعي.

في الختام، لا يمكن معالجة هذه الأزمة بشكل فعال دون تضافر جهود جميع أفراد المجتمع.

كما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن." لذا، من الضروري أن تكون هناك استراتيجية متكاملة تشمل تطبيق قوانين صارمة وتفعيل آليات قانونية قوية لمواجهة الجرائم، مما يعزز من استقرار المجتمع ويعيد التأكيد على القيم الأساسية التي تهددها هذه الظواهر السلبية.