كتابات وآراء


18 سبتمبر, 2014 12:43:00 ص

كُتب بواسطة : لطفي شطارة - ارشيف الكاتب


قبل شهر تقريبا أتصلبي الاستاذ عبدالله عبدالمجيد الاصنج من لندن ، وكان ساخرا كعادته ممن كتب عنه في بعضالمواقع من أنه يصارع الموت في احدى مستشفيات جدة وانه لا يستطيع الكلام .. قال كعادتهوبسخرية " قد اسمي أصنج ورجعونا أعجم " .. لم أتمالك نفسي من الضحك من روحالنكتة في هذا العملاق السياسي العدني الفذ .




تعرفت على ابو محمدفي لندن قبل إندلاع حرب 1994 وتوطدت العلاقة بيننا بعد تلك الحرب القذرة وكان الرجلكمن يغرد لوحده خارج سرب القيادات الجنوبية لواقعيته ولمعرفته بعقلية نظام الحكم فيالشمال التي قادتنا تلك القيادات الى وحدة يسميها الاصنج بـ" النكبة " خاصةفي ظل وجود علي عبدالله صالح على رأس السلطة في الشمال .




كان شرفا لي أن أكونأحد اقرب الاصدقاء اليه وعاملني كأبن وليس صديق جمعتنا الغربة وهموم الوطن .. بل وليحسسنيبقربه مني وثقته بي جعلني صديقا وأخا لعائلته بدء من أم محمد التي تنتمي لاسرة عدنيةعريقة اسرة خدابخش ، ونجله الاكبر محمد ومازن والطبيبتين ميرفت ومنال .. أستمرت علاقتيبه حتى وفاته وبأسرته حتى إتصالي اليوم بنجله محمد وتقديم واجب العزاء له ولبقية أفرادالاسرة ، عزيت نفسي قبل أن أعزي محمد بهذا المصاب الجلل ، بالفعل أحسسني الرجل رحمةالله عليه بأني أقرب الناس الى قلبه وعقله وأسرته ، حتى عندما يغضب أحس غضب أب من أبنهولحرصه عليه .




كان الاصنج يمثلبالنسبة لي موسوعة متحركة تستطيع أن تغترف منها فنون السياسة الراقية المصحوبة بروحالفكاهة وكنز من المعلومات عن تاريخ عدن مدينة وناس .. تاريخ كفاح شعب وخروج امبراطوريةعظمى من عدن .. كان بالفعل كتاب أنيس وحي يصور لك أحياء عدن وحواريها وأسرها وبيوتهالتمتعه بذاكرة عظيمة عن مسقط راسه وتاريخها العريقة لا يضاهيه في هذه الذاكرة الفذةالا شخص الاستاذ محمد سالم باسندوة رئيس الوزراء الحالي الذي يملك ذاكرة وموسوعة تاريخيةسياسية واجتماعية عن عدن بكل تفاصيلها ونسيجها الاجتماعي والسياسي ، وعن اليمن السياسيبشكل عام ، وكان الاقرب الى المرحوم الاصنج منذ خروجهما سويا من عدن الى تعز قبل الاستقلالوإستقرارهما في الشمال ، قبل أن يغادر الاصنج الشمال في منتصف الثمانينات الى السعوديةحتى وفاته اليوم.




واقعية الرجل العظيمسياسيا هي التي جعلتني لصيقا به في كل بلد نلتقي فيه سواء في مصر او السعودية او لندن.. رجل لا يشطح كثيرا سياسيا عن الواقع الذي مر به الجنوب واليمن عموما بعد الوحدة، حتى مع الحراك تعامل كداعم سياسي له دون أن يصرخ بهذا منذ بداياته الاولى ، ولي ذكرياتكثيرة معه في مسيرة الحراك وما قدمه في محافل عدة لنصرة شعب الجنوب وقضيته العادلةفي وجه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي ومن شدة غضبه من الفقيد الاصنج وتصريحاتهالداعمة للقضية الجنوبية ، دفعه للمطالبة به عبر الانتربول وتسليمه لليمن ، كنت حينهامع ابو محمد في لندن نحتسي القهوة سويا فقال ساخرا : " تقول الانترول موظفين عندهما يخجل يصرح بهذا " .




كان الاصنج يحملشوقا وحبا لعدن حبا جما .. ويتألم لمعاناة أبنائها منذ الاستقلال وحتى اليوم .. ولهذاكان ينصحني بأستمرار بالواقعية السياسية والمرونة ، ويعتبرني السياسي العدني من الشباباو بالاصح من غير جيله الاقرب الى اليه والى مدرسته السياسية المعتدلة والمتجددة التيتستطيع أن تتعايش مع الظروف السياسية التي تمر بها او ما يسمى بـ " التفكير المعاصر" .. ولهذا استطاع الاصنج وهو من مؤسس النقابات العمالية التي شكلت الهاجس الاكبرللمستعمر البريطاني بسبب سيطرتها على المؤسسات العمالية ، واستطاعت أن تقلق المستعمرليس بشعارات فقط بل وبشل حركة المؤسسات في عدن للضغط على السلطات البريطانية في عدنحينذاك ، وعندما جاء الحراك استطاع ان يكون مؤثرا على قياداته التي تحترم شخصية الرجلوتاريخه السياسي العظيم ، فاقترب في البدايات الاولى الى المناضل حسن باعوم والمناضلناصر النوبة ، خاصة في الازمة التي حصلت بين الرجلين بعد خروج النوبة من السجن علىتشكيل قيادة الحراك واول هيئاته ، فأجرينا اتصالات من لندن وتحدث الاصنج الى باعوموالنوبة ودعاهما الى عدم اعطاء نظام صالح الفرصة لضرب الحراك في بداياته ، وطلب منالنوبة بان يذهب الى المكلا واالتصالح مع باعوم حتى لا يزيد الشرخ بينهما .. وبالفعلتحرك النوبة الى المكلا اليوم التالي وكان ذلك اللقاء الكبير الذي جرى في بيت المناضلحسن باعوم في الديس.




عندما اتحدث عن مدرسةالاصنج السياسية البرجماتية فاني اتحدث من قربي لمؤسسها رحمة الله عليه .. ولي من الدروسالتي تعلمتها مرونته والتقاطته لمجريات الامور التي تدور اقليميا ودوليا وانعكاساتذلك على اليمن شمالا وجنوبا .. وكان لتدخل المجتمع الدولي في الثورة اليمنية عام2011 والضغط على الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح للتنحي وتسليم السلطة لنائبه الرئيسالحالي عبدربه منصور هادي ، مؤشرا قويا في ان القضية الجنوبية ستجد منفذا للتدويل عبرهذا التدخل في تلك الفترة ، وهذا ما حدث تباعا ، حتى جاءت اللقاءات التي شاركت بهاالى جانب الراحل عبدالله الاصنج والاستاذ شكيب حبيشي عن تكتل الجنوبيين المستقلين حينهامع اللجنة الرئاسية المنسقة للحوار الوطني برئاسة الدكتور عبدالكريم الارياني والدكتورياسين سعيد نعمان والاستاذ عبدالوهاب الانسي والاستاذ جعفر باصالح ، واللقاءات التيتلتها مع السفير البريطاني في صنعاء ونائب السفير الروسي في القاهرة ونائب سفير الاتحادالاوربي في صنعاء والذي جرى في القاهرة وفيه أعلن الاصنج المشاركة في الحوار الوطني، وسارت الامور بسرعة وجرى تعييني في اللجنة الفنية للحوار حتى إنسحابي منه مع بقية ممثلي الحراك الجنوبي بقيادة الاستاذ محمد علي أحمد.




كان الاصنج اول القياداتالجنوبية في الخارج الذي أعلن مشاركتنا في الحوار وقال للسفراء للاجانب اذا الحوارسيكون مكانا لنطرح فيه قضية شعبنا والحلول لها دون اي اقصاء او خطوط حمراء لذلك ، فكانرد السفراء بالاجماع أنها الفرصة المتاحة للجنوبيين لطرح قضيتهم عبر الحوار بكل حريةحتى الحلول بدون سقف لها.




جئت الى صنعاء وانضممتالى اللجنة الفنية للحوار ، ومن أول لقاء بيني وبين الرئيس عبدربه منصور هادي فتحتالاتصالات المباشرة بين الفقيد الراحل والرئيس هادي واستمر التواصل والتشاور بينهما، وكان الاصنج داعما سياسيا قويا للعملية السياسية التي قادها ويقودها الرئيس عبدربهمنصور هادي حتى اليوم ، وكان من اوائل من طالبوا المجتمع الدولي ان يرفع العصى الغليضةفي وجه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح أن ارادوا إنجاح المرحلة الانتقالية .




ذكريات كثيرة أحملهاعن الراحل وفقيد عدن الكبير واليمن الاستاذ عبدالله عبدالمجيد الاصنج لا تكفيني هذهالعجالة .. رحمة الله عليك يا ابا محمد ، ونم قرير العين فتاريخك سيظل نبراسا للاجيالوبصماتك نورا تضيء طريقهم .. فالمعلم لا يموت بجسده لانه يترك دروسا من استخلاصات تجربتهتتعاقبها الاجيال .