11 ديسمبر, 2024 01:39:07 م
كتبه/ صائل حسن بن رباع:
تمر حضرموت والجنوب العربي بمرحلة دقيقة وحساسة من تاريخهما، حيث تبرز مطالبات مشروعة نابعة من معاناة عقود طويلة من التهميش والإقصاء. في هذا السياق، يعبر الحضارم عن تطلعهم نحو حكم ذاتي يعيد لهم حقوقهم المسلوبة، بينما يسعى الجنوبيون لاستعادة دولتهم المستقلة بعد سنوات من الوحدة التي لم تحقق طموحاتهم. ورغم شرعية هذه المطالب، ينبغي الحذر من الانجراف نحو الكبر القومي، وهو فكر شيطاني يقوض الأسس الأخلاقية والإنسانية لهذه الحركات.
لا يمكن إنكار ما عانته حضرموت من تهميش طال مواردها وحقوق أهلها، ما جعل مطلب الحكم الذاتي ضرورة وطنية لضمان إدارة مواردها وخدمة أهلها بعيدًا عن سياسات المركزية الظالمة. كذلك، يطالب الجنوبيون باستعادة دولتهم التي فقدوها، مستندين إلى إرثهم التاريخي والخصوصية
الاجتماعية.
هذه المطالبات تستند إلى معاناة حقيقية ورغبة صادقة في استعادة الحقوق، لكنها تتطلب إطارًا أخلاقيًا وإنسانيًا لا يسمح بانحرافها نحو الأفكار الشيطانية التي تدعو إلى التمييز والتفوق القومي.
فكرة الكبر القومي هي من أخطر الأفكار التي قد تخترق أي حركة سياسية أو اجتماعية. هذه الفكرة، التي تتجلى في ادعاءات التفوق العرقي أو الفكري، تُذكرنا بما فعله إبليس عندما رفض السجود لآدم مدعيًا أفضليته:
"قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْه خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ
مِن طِينٍ"
(الأعراف:12)
إن السماح لفكرة الكبر القومي بالتسلل إلى الخطاب الحضرمي أو الجنوبي يعني السقوط في فخ الشيطان. فالقول بأن "الحضرمي أذكى" أو أن "الجنوبي أفضل عرقًا" لا يختلف عن الفكر النازي أو العنصري، وهو فكر محرم في الإسلام ومرفوض إنسانيًا،
من واجب القيادات الحضرمية والجنوبية، وكل مناصري المطالب المشروعة، أن يتخذوا موقفًا حاسمًا ضد أي خطاب عنصري أو فكري يدعو إلى الكبر القومي. فالخلاف مع النظام اليمني هو خلاف سياسي وإداري، وليس خلافًا عرقيًا أو ثقافيًا. الحضارم والجنوبيون واليمنيون هم أبناء لغة واحدة وثقافة مشتركة، وما يفرقهم هو السياسات الظالمة والمصالح المتضاربة، وليس العنصرية أو الكراهية.
لقد شهد التاريخ الإنساني كوارث كبرى بسبب الكبر القومي، مثل:
- النازية: التي ادعت تفوق العرق الآري وأدت إلى الحرب العالمية الثانية وإبادة الملايين.
- التطهير العرقي: في البوسنة ورواندا، حيث دُمرت المجتمعات بسبب ادعاءات التفوق العرقي.
- العنصرية: التي أدت إلى استعباد البشر واضطهادهم عبر القرون.
هذه الأمثلة تؤكد أن أي فكر يقوم على الكبر القومي يؤدي في النهاية إلى الخراب والدمار.
الإسلام يدعو إلى المساواة ويحارب كل أشكال التمييز. يقول الله تعالى:
"إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّه أَتْقَاكُمْ"
(الحجرات:13)
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِأَعْجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى" (رواه أحمد).
هذه النصوص تجعل من الإسلام حاجزًا منيعًا ضد الكبر القومي والعنصرية، وتؤكد أن التفاضل بين البشر يكون على أساس التقوى والعمل الصالح.
لطالما استخدمت الأفكار الشيطانية وعودًا زائفة لترويج الكبر القومي، كما وعد إبليس آدم وحواء بـ "شجرة الخلد وملك لا يبلى"
(طه:120)
دائمًا ما يُخدع أتباع الكبر القومي بالوعود بأن القضاء على "الآخر" سيجلب لهم الرخاء والازدهار. لكن في الواقع، هذه الأفكار لا تجلب إلا القتل والدمار.
إن المطالب الحضرمية والجنوبية مطالب مشروعة تستند إلى حق تقرير المصير والعدالة، لكنها تحتاج إلى حماية أخلاقية وإسلامية من خطر الكبر القومي. فالنجاح الحقيقي لا يأتي من ادعاءات التفوق العرقي أو الفكري، بل من تبني قيم المساواة والعدالة، وبناء مجتمع يحترم الإنسان كإنسان بعيدًا عن التصرفات الشيطانية التي لا تجلب إلا الخراب.
على الحضارم والجنوبيين أن يكونوا نموذجًا للمطالبة العادلة، بعيدًا عن الأفكار التي تفرق ولا تجمع، وتزرع الكراهية بدلًا من المحبة.
#صائليات
11/12/2024